نَاعٍ نَعَاكَ فما أَبْقَى على أمَلِ
***
وأذْهَلَ الرُّزْءُ مَن بالسَّهْل والجَبَلِ
وكَبَّر الناسُ مِن بَدْوٍ وحاضرةٍ
***
إنا إلى الله في الرُّجْعى وفي القَفَلِ
قَالوا: قَضى – زُحَلٌ حَبْرُ الحديث فيا
***
هَوْلَ الفَجيعةِ للإسلام في زُحَلِ
أَوى إلى ربِّه مِن بَعد مَلْحَمَةٍ
***
مَعَ المُعاناةِ من ضُرٍّ ومِن عِلَلِ
أَوى إلى ربه من بَعد ما عَجَمَتْ
***
منهُ الحوادثُ عُودًا غيرَ ذي مَيَلِ
أوى إلى ربه من بَعد ما خَبَرَتْ
***
منهُ المُلِمَّاتُ طَوْدًا غَيْرَ ذي حَوَلِ
كَمْ أَزْعَجَتْ وَقَفاتٌ مِنهُ كانَ بِها
***
صَلْبَ الصَّفَاةِ بِلا وَهْنٍ وَلَا دَغَلِ
كَمْ عَزْمَةٍ في سبيلِ الله صَادِقَةٍ
***
يَدْعو إلى الله في الأَصباح وَالأُصُلِ
كَمْ قادَ نهضةَ إصْلاحٍ فنَالَ أذىً
***
وذاق مُرَّ الجَنَا في العِلْم والعَمَلِ
سِتُّونَ عامًا عطاءً غيرَ مُنْقَطِعٍ
***
يَسْطُو بِعَضْبِ لِسانٍ غَيرِ مُنْخَذِلِ
يُعَلِّمُ الجيلَ بعد الجيلِ مُغْتَرِفًا
***
مِنْ بَحْرٍ عِلْمٍ أصيلٍ غيرِ ذي دَخَلِ
قَدْ بَذَّ في الفقهِ والآثارِ مَن حَمَلوا
***
علمَ الشريعةِ مَنْخولا بِلا خَلَلِ
وغاصَ في النَّحو والآدابِ قاطبةً
***
وصار في كلِّ فَنٍّ مَضْرِبَ المَثَلِ
وَعى الخُلاصةَ مَتناً والشروحَ لها
***
حِفْظاً ولاميةَ الأفعالِ والجُمَلِ
وما تَضَمَّنَهُ المُغني وشارِحُه
***
من الشواهدِ والإِعرابِ والمُثُلِ
أمَّا البخاريُّ والكُتْبُ الصحاحُ فما
***
فيها يُباريهِ ذو حِذْقٍ بِهِنَّ حَلِي
والفقهُ في الدين والفُتيا وعارِضَةٌ
***
في الشاعِريَّةِ مِن وصفٍ ومِن غَزَلِ
إلى يَراعٍ كَسَيْلٍ حِينَ يُرسلُه
***
ومِقْوَلٍ صارِمٍ في مَنْطِقٍ جَدِلِ
وكَمْ فَرائدِ “فُرْقانٍ” تَقلَّدَها
***
حَلَّتْ لَديْهِ مَحَلَّ الحَلْيِ والحُلَلِ
وكَمْ على النَّشءِ في البيضَاءِ كان له
***
بِيضُ الأيادي وكم أسداهُ مْن نَفَلِ
واليومَ وافاهُ ما وافاهُ مِن أَجَلٍ
***
وكُلُّ مَن فوقَها ماضٍ إلى أجَلِ
فمن يكنْ وَجِلاً مِن فَقْدِ ذي مِقَةٍ
***
فَلْيَعْتَبِرْهُ بهَذا الحادثِ الجَلَلِ
ومَن يكنْ باكياً فلْيَبْكِ مثلَك أوْ
***
لِيَدَّخِرْ دَمْعَهُ إنْ كُنتَ ذا مَثَلِ
+ + + + + +
يَا صاحِبِي ورَفيقَ الدرْسِ في زَمَنٍ
***
كُنَّا به زَمَنَ التحصيلِ في جَذَلِ
نَغْدُو خِماصاً وفي الحَمْراءِ مَسْرحُنا
***
فنصرفُ اليومَ في عَلٍّ وفي نَهَلِ
كانَ ابنُ يوسفَ بالحمراءِ مَعْكِفَنا
***
على المعارفِ في شَدٍّ وفي مَهَلِ
نَرتادُ في حِلَقِ الأشياخِ ما حَفَلَتْ
***
به ونَشْتارُ فيها أَطْيبَ العَسَلِ
حتى إذا ما قَضى كلٌّ لُبانَتَهُ
***
ونالَ مِن مُبتغاهُ غايةَ الأَمَلِ
وَلَّى لِطَيَّتِهِ والصدْرُ مُمْتَلِئٌ
***
من العلوم مُحَلَّى الجِيدِ عَنْ عَطَلِ
يا عَالِما مَلَأَ “البَيْضَا” بِصَوْلَتِهِ
***
قَدْ نَوَّرَ الدُّورَ والأرجاءَ بالشُّعَلِ
فما حَلَلْتَ مِنَ “البيضاء” حَضْرَتَها
***
حَتَّى نَهَضْتَ بها كالفاتِحِ البَطَلِ
تَجْلُو بها عَن عُيونِ الناسِ أَغْشِيَةً
***
من الجهالاتِ قد غَطَّتْ على المُقَلِ
فَسُدْتَ بالعلمِ فيها غَيْرَ مُزْدَحَمٍ
***
وذاع صيتُكَ في الأَصْقاعِ وَالحِللِ
أَوْدَعْتَ فيهَا غِراسًا ظَلَّ تَصْحَبُهُ
***
منكَ العنايَةُ حتى فُزْتَ بالخَصَلِ
فاليومَ وَدَّعَتِ البيضاءُ فيكَ أبًا
***
وَأُمَّةً وَحْدَهُ في الفَضْلِ والنُّبُلِ
هيَ الخَسَارَةُ ما عنْ مِثْلِهَا عِوَضٌ
***
ولاَ لَهَا عنكَ في الأَخْلاَفِ مِنْ بَدَلِ
كذاكَ موتُ خِيارِ النَّاسِ مَرْزَأَةٌ
***
وفقْدُ مِثْلِكَ فينا عُضْلَةُ العُضَلِ
فَنَمْ هنيئاً فقدْ أَبْلَيْتَ مُحْتَسِباً
***
في الله مِنْ بَعْدِ عُمْرٍ صالحٍ خَضِلِ
والزُّهْدِ في مُتَعِ الدُّنيا وزينَتِها
***
ولَمْ تُبَلْ بمتَاع المالِ والخَوَلِ
لكنْ تَبَلَّغتَ منها غيرَ مُكْتَرِثٍ
***
وعِشْتَ عَنْها كما خِلْناكَ في شُغُلِ
فالله في الصالحين مِنْ بَرِيَّتِهِ
***
والعلماءِ والأنبياءِ والرُّسُلِ
يُعْلِي مَقَامَكَ في دار المُقامَةِ في
***
مَنازِلِ الخُلْدِ في الجَنَّاتِ والظُّلَلِ
وَأَحْسَنَ اللهُ عُقْبَى شَيْبَةٍ سَكَنَتْ
***
تحتَ التُّرابِ وكانتْ مَوْضِعَ القُبَلِ
وجَبْهَةٍ طالَما للهِ قدْ سَجَدَتْ
***
عادتْ إلى ربِّها في مُنْتَهَى الأَجَلِ
سَحَّتْ عَلَيْكَ مِنْ الرَّحْمنِ غَادِيَةٌ
***
تَهْمِي عَلَيْكَ بِرَيَّا الْوَرْدِ وَالنَّفَلِ
وأَكْرَمَ اللهُ مَثْوىً قدْ حَلَلْتَ بِهِ
***
وَلاَ تَزَلْ مِنْ عُلاَ الفِرْدَوْسِ في نُزُلِ
نَدْعُو لَكَ اللهَ لا نَأْلُواْ بِأَجْمَعِنا
***
عِلْمًا باَنَّا عَلى الآثارِ والسُّبُلِ
اترك رداً